وقفت سيدة عجوز في الخمسين من عمرها ، وبجوارها ابنتها البالغة الثلاثين من عمرها في قفص الاتهام ، وسألها القاضي : لماذا قتلت ابنك ؟ فلم ترد ، وسأل القاضي البنت فلم ترد أيضاً ! وقلت : إذا أجابت أمي فسوف أجيب ، وحاول القاضي أن يكون عنيفاً معهما ، وذكر الأم بأنها متهمة بقتل ابنها ، وأن عقوبة ذلك هو الإعدام ورفضت أن تجيب ، رفعت الجلسة .
وراجع القاضي ملف القضية ، فوجد أن هناك خيطاً في القضية لم يتعرض له ، وذلك أن هناك طفلة صغيرة في العاشرة من عمرها هي التي أخبرت عن القتل وهي بنت للابنة المتهمة ، فأحضرها القاضي الطفلة واستمع إليها في جلسة مغلقة ، ودار هذا الحوار بين القاضي والطفلة : هل تعرفين خالك ؟ قالت : لم أكن أحبه - لماذا - لأنه كان يضرب جدتي ، - لماذا ؟ كان يريد مالاً ولم يكن مع جدتي مال - ماذا كانت تقول له جدتك ؟ كانت دائماً تقول له ؟ يا مؤمن ، وذلك كلما تشاجرت معه ، وأحياناً كانت تقول الإيمان - الإيمان ؟ نعم ، وكنت مندهشة - فأنا أعلم من المدرسة أن الإيمان كله عظيم - نعم يا بنتي الإيمان أمر عظيم ، وجدتك ؟ كانت تقول له أنت مدمن إن الإدمان سينهيك - صح ، وما معنى الإدمان - هذه قصة طويلة .
وبعد ذلك أستدرج القاضي الطفلة التي قصت له ما وقع ليلة الجريمة ، حيث كانت الجدة والابنة والحفيدة في غرفة نوم واحدة عندما دخل عليهم الخال وحاول أن يوقظ الطفلة من النوم ، فاستيقظت الأم والجدة ، وذهبت الجدة إلى المطبخ ، وأحضرت سكيناً كبيرة غرستها في ظهر الخال ، ثم أخرجتها وغرستها مرة أخرى ، وبكت الطفلة بعد ذلك ، وفي جلسة سرية أُحضرت الأم والجدة ، وقال القاضي للجدة : لماذا الصمت الآن ، فلم يعد أحد في القاعة ، والقضية عرفت خطوطها العريضة ، ولا أريد المزيد ، ولكن أجيبي علي بنعم أو لا فقط - هل كان ابنك مدمن مخدرات ؟ قالت نعم - حشيش أم هيروين ؟ هيروين - ألم يرهقك مالياً ؟ بلى - حاول اغتصاب حفيدتك ؟ - نعم- أثارك هذا فجئت بالسكين وقتلته ؟ لا . عادت الألغاز مرة أخرى ، ولكن القاضي حاول استدراج الإجابة منها بكل بساطة وطول نفس فقالت - كان أبني طفلا عاديا ومات والده وهو صغير ، وكبر الطفل ، وأصبح صبياً فاشلا تماما في دراسته ، وأصبح يدخن وهو في الخامسة عشرة من عمره ، وكنت أعطيه قيمة الدخان ، وفشلت في أن يتعلم أو يكون حرفيا ، وكبر ، وذات يوم دخلت عليه حجرته الخاصة ، وكان يعطي نفسه حقنة هيروين ، ثرت عليه وصرخت ، ولكنه قام وصفعني على وجهي ثم خرج ، وأصبح يأخذ كل ما معي من مال وذلك بالقوة ، وقد فكرت أن أبلغ الشرطة عنه ، ولكن كنت أتراجع وأقول : لعله يعود إلى رشده ويتوب وأثناء هذا التفكير دخل ابني علي - وكانت الساعة الثالثة صباحاً - وكان منظره بشعاً يثير الغثيان ، ثقيل اللسان أصفر الوجه ، اختفت نضارة وجهه ، وقال كلاماً لم أفهمه ، ولأول مرة أخاف من ابني ، أقترب مني بلا وعي ، مزق ثيابي ، حاول الاعتداء علي أما أمه ، ولكن تمكنت من الإفلات منه ولله الحمد ، وخرجت من البيت مذعورة ، ولم يشاهدني أحد في الشارع ولله الحمد ، وحتى وصلت إلى بيت ابنتي ، فتح الباب زوجها وأخبرته أن هناك لصا حاول الاعتداء علي ، وإني هربت منه ، وفي الصباح خرج زوج ابنتي فأخبرتها بالحقيقة ، وبعد شهر من الزمان ذهبت أنا وابنتي وطفلتها الصغيرة إلى بيتي ونحن نقول : لعله يكون قد مات ، أو هاجر ، أو أنتحر من جراء المخدرات ، ووجدت أن ابني قد باع أغلب الأثاث ، وفي نفس وقته في المرة حضر مرة أخرى في الساعة الثالثة صباحاً ، عاد ليحاول الاعتداء بوحشية على الطفلة التي هي حفيدتي ، حاولنا تخليصها منه فلم نتمكن ، فذهبت مسرعة إلى المطبخ ، وجئت بالسكين فغرستها في ظهره ، فخرجت الدماء من جسده مثل النافورة وصرت أغرس السكين وأخرجها في جسد ابني حتى مات وأحسست لحظتها أن العار والفشل والإدمان قد مات .
هذه اعترافات أم ، هل من المعقول أن تقتل الأم ابنها إلا في حالة واحدة ، أن يكون قد حصل منه شيء فوق احتمال البشر .